القضاء والقدر
أولا : معنى القضاء والقدر لغة :
1- معنى القضاء لغة : الفصل ، والحكم . وقد تكرر ذكر القضاء في الأحاديث النبوية وأصله : القطع ، والفصل .
2- معنى القدر لغة: القضاء ، والحكم ، ومبلغ الشيء ، والتقدير : التروية والتفكر في تسوية الأمر.
ثانيا : معنى القدر واصطلاحا:
هو كائن إلى الأبد ، وأنه عز وجل قدر في الأزل مقادير الخلائق ، وما يكون من الأشياء قبل أن تكون ، وعلم الله أنها ستقع في أوقات معلومة عنده ، وعلى صفات مخصومة ، وكتابته –سبحانه – لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما ق\ر وخلقه لها .
وقد فرقة العلماء بين ( القضاء ) و ( القدر) أقوال منها :
الأول : القضاء هو العلم السابق الذي حكم الله تعالى به في الأزل ، والقدر : وقوع الخلق على وزن المقضي السابق.
الثاني: عكس القول السابق ، فالقدر هو الحكم السابق ، والقضاء هو الخلق .
و بناء على القول الثاني يكون القضاء من الله تعالى أخص من القدر، لأنه الفصل بين التقديرين ، فالقدر هو التقدير ، والقضاء هو الفصل والقطع .
كما في قوله تعالى ((" وكان أمراً مقضياً")) .
ولذلك فإن القضاء والقدر أمران متلازمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، لأن أحدهم بمنزلة الأساس ، وهو القدر ن والآخر بمنزلة البناء ، وهو القضاء ، إي إنهما يشملان بعضهما البعض .
أركان الإيمان بالقضاء والقدر
وهم أربعة أركان إذا أقر بها جميعها فإن إيمانه يكون مكتملا ، وإن انتقص واحداً منها أ أكثر فقد اختل إيمانه بالقضاء والقدر .
• الأول : الإيمان بعلم الله تعالى الشامل المحيط .
• الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء .
• الثالث : الإيمان بمشيئة الله تعالى الشاملة وقدرته النافذة .
• الرابع : الإيمان بأن الله خلق كل شي .
الركن الأول : الإيمان بعلم الله تعالى الشامل المحيط.
كثر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم تقرير هذا الأصل العظيم ، فعلم الله تعالى محيط بكل شي ، يعلم ما كان وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كبف يكون ، ويعلم الموجود والمعدوم ، والممكن والمستحيل . وهو عالم بكل ما تعلق بالعباد , وعالم بكل ذلك ذلك قبل أن يخلقهم ويخلق السماوات و الأرض .
قال تعالى : ((" هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة "))
وقال أيضاً: ((" لتعلموا أن الله على كل شيء قدير و أن الله قد أحاط بكل شيء علماً"))
الركن الثاني : الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء .
دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شي ، ففي الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله
عليه و آله وصحبه وسلم يقول : (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وعرشه على الماء).
واللوح المحفوظ الذي كتب الله تعالى فيه مقادير الخلائق : سماه الله سبحانه بالكتاب ، و بالكتاب المبين ، و بالإمام المبين ، و بأم الكتاب ، وبالكتاب المسطور ، قال تعالى : ((" بل هو قرآن مجيد , في لوح محفوظ")).
الركن الثالث : الإيمان بمشيئة الله تعالى الشاملة وقدرته النافذة .
هذا الأصل يقضي بالإيمان بمشيئة الله تعالى النافذة ، وقدرته الشاملة ، فما شاء الله تعالى كان ، وما لم يشأ لم يكن ، و أنه لا حركة ولا سكون في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئته ، فلا يكون في ملكه إلا ما يريد .
قال تعالى : ((" وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ")) .
الركن الرابع : الإيمان بأن الله تعالى خلق كل شيء .
قررت النصوص أن الله تعالى خلق كل شيء ، فهو خلق الخلق وكونهم و أوجدهم ، فهو الخالق وما سواه مخلوق مربوب .
قال تعالى: ((" الله خالق كل شي وهو على كل شيء وكيل ")) .
أفعال العباد
أن مراتب القضاء والقدر أربعة ، وهي :
1- العلم : وهو علمه تعالى بكل شي ء مما كان وما سيكون .
2- الكتابة : وهي كتابته تبارك تعالى لكل شيء في الأزل .
3- المشيئة و الإرادة : وهي أن كل شيء خاضع لمشيئته و إرادته .
4- الخلق : وهو خلقه تعالى لكل شيء ومنها أفعال العباد .
*أما المرتبتان الأوليان – العلم والكتابة- فلم ينكرهما إلا غلاة القدرية ، الذين يقولون إن الأمر أنف ، أي : لم يسبق لله تعالى فيه علم، وقد نشأوا في أواخر عهد الصحابة – رضي الله عنهم - ، وتبرأ منهم من أدركهم من الصحابة – رضي الله عنهم- كما هو معروف في قصة ابن عمر في أول حديث مسلم .
أما بقية الطوائف : فهم مقرون بهاتين المرتبتين .
• وأما المرتبتان الأخريان – المشيئة والخلق – فقد وقع فيهما الخلاف على قولين :
- أحدهما إنكار هاتين المرتبتين ، و هذا مذهب المعتزلة ومن وافقهم ، الذين ينكرون ان تكون مشيئة الله تعالى لها تعلق بأفعال العباد وطاعتهم ومعاصيهم ، ويزعمون أنه تعالى لا يخلق أفعلا العباد ، وإنما العبد هم الخالقون لأفعالهم .
- الثاني : الإقرار بهاتين المرتبتين بإثبات الإرادة والمشيئة الشاملة ، والقول بأن الله تعالى خالق كل شي ,ويوافقون على إثبات هاتين المرتبتين : الجبرية ، ولكنهم يخالفوهم بالغلو فيه .
فقد استقر الخلاف حول مرتبيتي المشيئة والخلق وهل يثبتان للرب تعالى أو العبد.
الأقوال في هذه المسألة أربعة .
1-إن العباد مجبورون على أعمالهم ، لا قدرة لهم ولا إرادة ولا اختيار ، والله هو خالق أفعال العباد ، و أعمالهم إنما تنسب إليهم مجازاً .
2- إن أفعال العباد ليست مخلوقه لله تعالى ، وإنما العباد هم الخالقون لها ، ولهم إرادة وقدرة مستقلة عن إرادة الله تعالى وقدرته.
3- قول بعض المتكلمين ، وقد وافقوا أهل السنة على أن الله تعالى خالق أفعال العباد ، خلافا للمعتزلة ، كما وافقوا أهل السنة على إثبات القدرة للعبد ، خلافا للجبرية ..
4- قول أهل السنة والجماعة : وهو الإقرار بالمراتب الأربعة للقضاء والقدر ، ( العلم – الكتابة – المشيئة- والخلق- وأفعال العباد داخلة في المرتبة الرابعة ، فهم يقولون إن الله تعالى خلق أفعال العباد كلها ، والعباد فاعلون لها حقيقة ، ولهم القدرة حقيقة على أعمالهم ، ولهم إرادة ، ولكنها خاضعة لمشيئة الله تعالى الكونية .
أن الأفعال والأقوال التي يقوم بها العباد فهي معلومة لله تعالى ، مكتوبة عنده ، والله تعالى قد شاءها وخلقها ، ولكن جعل للعبد الاختيار بقدرته بهما ويكون بالفعل .
والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور :
1- قوله تعالى ((" فأتوا حرثكم أنى شئت ")) ، فأثبت للعبد إتيانا بمشيئته ، و إعداداً بإرادته .
2- توجيه الأمر والنهي إلى العبد ، ولو لم يكن له اختيار وقدرة ، كما قال تعالى ((" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "))
3- مدح المحسن على إحسانه ، ودم المسيء على إساءته ، وإثابة كل منها بما يستحق ، والله تعالى منزه عن العبث والظلم .
4- أن الله تعالى أرسل الرسل ((" مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ")) .
5- أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء أو يتركه بدون أي شعور بإكراه .
الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعاصي
يعتقد اهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعاصي ن لأنه لا حجة للعبد العاصي في القضاء والقدر ، إذ لا يعلم أحد قضاء الله وقدره إلا بعد وقوع مقدوره ، قال تعالي : ((" وما تدري نفس ماذا تكسب غد ا ")) فكيف يصحح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه ، وقد أبطل الله تعالي هذه الحجة بقوله ((" سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباءنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذَب الذَين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ")) .
ولقد أخبر النبي الكريم أصحابه – رضي الله عنهم – بأنه " ما منكم من أحد إلا وقد كتب له مقعده من النار ومقعده من الجنة " ، قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له "ويقال للمحتج بالقدر إذا كان القضاء والقدر حجة للعبد فهو حجة لجميع الناس ، فأنهم كلهم مشتركون في القضاء والقدر .
متى يسوغ الاحتجاج بالقضاء والقدر ؟
يسوغ الاحتجاج بالقضاء والقدر عند المصائب التي تحل بالإنسان ، كالفقر ، والمرض ، وفقد القريب ، فهذا من تمام الرضا بالله وتعالي ، قال تعالي : ((" فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشيَ والإبكار ")) .
ولهذا حج آدم موسى – عليهما السلام – كما في قول النبي الكريم :" احتج آدم موسي ، فقال له موسي : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسي الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قد قدَر عليَ قبل أن اخلق ؟ فحج آدم موسي ."
من ثمار الإيمان بالقضاء والقدر :
يثمر فوائد عظيمة وثمرات جليلة من الإيمان بالقضاء والقدر منها :
• الاعتماد على الله تعالي عند فعل الأسباب .
• راحة النفس وطمأنينة القلب .
• طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد .
• طرد القلق والضجر عند حصول مكروه أو فوات المراد .
• السعي إلي العمل والنشاط بما يرضي الله تعالي في هذه الحياة .
أما دعوى أن الإيمان بالقضاء والقدر يدعو المسلمين إلي الكسل والتواكل فهذا ما يروجه الملحدون ، ويضربون مثلا بواقع الأمة الإسلامية المتخلف والحقيقة أن واقع الامة الإسلامية إنما نشا لأسباب داخلية وخارجية ، ومن الأسباب الداخلية جهل كثير من المسلمين بحقيقة الإسلام وعدم تفاعلهم معه التفاعل الإيماني الصادق الذي غير واقع الحياة في الأرض أول مرة .
فالمؤمنون مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل علي الله تعالي ، والغيمان بالأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالي لأنه هو الذي خلق الأسباب وهو الذي خلق النتائج .
ومن ترك الأسباب المأمور بها : فهو عاجز مفرط مذموم ، وفي الحديث فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي
عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال : المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ن احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن صابك شيء فلا تقل : لو إني فعلت كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، وما شاء فعل ن فإن (لو) تفتح عمل الشيطان . هكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم العلاقة بين الإيمان بالقضاء والقدر والأخذ بالأسباب داخل في معنى الإيمان بالقضاء والقدر ولا ينافيه.
في نواقض الإيمان و منقصاته
وبيان منهج أهل السنة والجماعة فيها
أولا : التعريف بنواقض الإيمان ومنقصاته :
النواقض من النقص ، وهو في اللغة : ضد الإبرام ، وهو إفساد ما أبرمته من العقد أو البناء أو العهد.
والتعريف الاصطلاحي : أنها اعتقادات أو أقوال أو أفعال تزيل الإيمان وتقطعه بالكلية .
أما منقصات الإيمان : فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد والإيمان ، ولا تنافيه بالكلية ، فإذا وجدت عند المسلم قدحت في إيمانه ونقصته ، ولم يخرج من دين الإسلام ، وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر ، وعلى رأسها : وسائل الشرك الأكبر ، والشرك الأصغر ، ولكفر الأصغر ، والنفاق الأصغر ، والبدعة .
ثانيا : منهج أهل السنة والجماعة في باب نواقض الإيمان :
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام : طرفان ووسط :
• الطرف الأول : الذين يغالون في التفكير والحكم على الناس بالكفر ، ويكفرون بالناس من غير روية أو فقه أو معرفة جيدة للإسلام ، وهذا مبدأ الخوارج الذين خرجوا في عهد الخلفاء الراشدين وفي العهود المتأخرة ، وسبب هذا الانحراف عندهم ، أنهم ياخذون النصوص التي تدل بظاهرها على الكفر أو الشرك ، يأخذونها على ظاهرها دون أن يجمعوا بينها وبين النصوص الأخرى وتوضحها .
• الطرف الثاني : المرجئة الذين يقولون الإيمان بالقلب ، ولم يدخلوا فيه العمل ، وهؤلاء على النقيض من الخوارج ، أخذوا بنصوص الوعد ، واعتمدوا على الرجاء فقط ، كما أن الخوارج أخذوا بنصوص اللوعيد وتركوا نصوص الوعد والرحمة والرجاء.
• الطرف الثالث: أهل السنة والجماعة : وهم وسط بين المذهبين (مذهب الخوارج ومذهب المرجئة ) وهم يجمعون بين النصوص ويقولون إن الكفر في القرآن والسنة ينقسم إلى قسمين (أكبر- أصغر) والذنوب دون الشرك لا يكفر صاحبها .
وأهل السنة والجماعة وسط ، جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد ، وجمعوا بين الخوف والرجاء ، فمعرفة نواقض الإيمان لها اهمية كبرى حتى يحافظ الإنسان على إيمانه ، ولا يعرضه للنواقض التي تناقض أصله، أو لما يناقض كماله ، وهو حتى لايكون الإنسان مع الخوارج ، ولايكون مع المرجئة ، وإنما يكون مع أهل السنة والجماعة .
الشرك
وفيه ثلاث مباحث:
- الشرك الأكبر
إن أعظم ما جاء به ارسول
عليه وآله وصحبه وسلم من عند الله تعالى ، وأول ما أمر الله تعالى به : عبادة الله وحده لا شريك له ، و إخلاص الدين له وحده ، كما قال تعالى : ((" يا أيها المدثر , قم فأنذر ، وربك فكبر")) ، ومعنى قوله (وربك فكبر) ؛ أي عظم ربك بالتوحيد ، و إخلاص العبادة له وحده لا شريك له ، ومعنى قوله ( قم فأنذر ) ؛ إي أنذر عن الشرك في عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ،.
إن معرفة معنى الشرك وحقيقته متوقفة على معرفة التوحيد الذي ضده ، كما أن معرفة الشرك الذي وقعت فيه الأمم التي أرسلت إليهم الرسل يعين تحديد حقيقة التوحيد الذي جاءت الرسل ببيانه.
*تعريف الشرك :
لغة : الشرك في اللغة يدل على المقارنة ، التي هي ضد الانفراد ، وهو يكون الشيء بين اثنين ، لا ينفرد عن أحدهما .
اصطلاحا : أن يتخذ العبد لله تعالى ندا يسويه به ربوبيته ، أو ألوهيته ، أو أسمائه وصفاته .
*حكم الشرك :
الشرك أعظم ذنب عصي الله به ، فهو اكبر الكبائر ، وأعظم من الظلم ؛ لأن الشرك صرف خالص حق الله تعالى وهو العبادة لغيره ، كما في قوله تعالى : ((" إن الشرك لظلم عظيم ")) .
وقد رتب الشرع علي الشرك آثاراً وعقوبات عظيمة :
1- أن الله تعالى لا يغفره إذا مات صاحبه ولم يتب منه ، كما قال تعالى : ((" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ")) . ؛ هذا مع أنه سبحانه كتب على نفسه الرحمه .
2- أن صاحبه خارج من ملة الإسلام .
3- أن الله تعالى لا يقبل من المشرك عملا ، وما عمله من أعمال سابقة تكون هباء منثورا ، كما قال تعالى : ((" وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً")).
4- أن دخول الجنة حرام ، وهو مخلد في نار الجحيم ، كما في قوله ((" إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار")) .
• أقسام الشرك :
الشرك على قسمين : شرك أكبر ، وشرك أصغر .
والضابط الأول : أن يتخذ العبد لله تعالى ندا يحبه كمحبته ، أو يرجوه أو يخافه أو يدعوه أو يصرف له نوعا من العبادة الظاهرة أو الباطنة ، وهذا شرك مخرج من دائرة الإسلام وملته ، وصاحبه متوعد أشد الوعيد إن أصر عليه ولقي الله به .
وضابط الثاني : أنه كل وسيلة يتوسل بها ويتوصل من طريقها إلى الشرك .
• أقسام الشرك الأكبر :
وينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي :
القسم الأول : الشرك في الربوبية : وهو أن يجعل لغير الله تعالى معه نصيبا من الملك ، أو التدبير .
ومن صور الشرك في الربوبية :
1- شرك النصارى الذين يقولون : الله ثالث ثلاثة.
2- شرك القدرية الذين يزعمون أن الإنسان يخلق أفعاله .
3- شرك كثير ممن يعبدون القبور ، الذين يعتقدون أن أرواح الأموات تتصرف بعد الموت .
4- الاستسقاء بالنجوم : وذلك باعتقاد أنها مصدر السقيا ، وإنها تنزل الغيث بدون مشيئة الله تعالى .
القسم الثاني : الشرك في الأولوهية
وهو اعتقاد أن غير الله تعالى يستحق أن يعبد ، أو صرف شيء من العبادة لغيره .
و أنواعه ثلاثة ، وهي :
النوع الأول : اعتقاد شريك لله في الأولوهية ، فمن اعتقد أن غير الله يستحق العبادة مع الله ، أو يستحق أن يصرف له إي نوع من أنواع العبادة مع الله : فهو مشرك في الألوهية .
النوع الثاني : صرف شيء من العبادات المحضة لغير الله تعالى .
والشرك بصرف شيء من العبادة لغير الله تعالى له صور كثيرة يمكن حصرها غي الأمرين الآتين :
الأمر الأول : الشرك في دعاؤء المسألة ن ودعاء المسألة أن يطلب العبد من ربه جلب مرغوب ن أو دفع مرهوب.
الأمر الثاني : الشرك في دعاء العبادة .
القسم الثالث : الشرك في الحكم : وله أنواع كثيرة ، منها :
1- أن يعتقد أحد أن حكم غير الله تعالى أفضل من حكم الله تعالى أو مثله ، وهذا شرك أكبر مخرج من الملة ؛ لأن صاحبه مكذب للقرآن الكريم .
2- أن يعتقد أحد جواز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ، وهذا شرك أكبر أيضا .
3- أن يضع تشريعا أو قانونا مخالفا لما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم ، ويحكم به .
4- أن يطيع من يحكم بغير شرع الله تعالى عن رضى .
القسم الثالت : الشرك في الأسماء والصفات :
وهو أن يجعل لله تعالى مماثلا في شيء من الأسماء أ الصفات أو يصفه تعالى بشيء من صفات خلقه .
فمن سمى غير الله تعالى باسم من الأسماء الله تعالى ، معتقدا اتصاف هذا المخلوق بما دل عليه الاسم مما اختص الله تعالىبه ، أو صفة بصفة من صفات الله تعالى الخاصة به ، وكذلك من وصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين فهو مشرك في الصفات .
وسائل الشرك الأكبر
لما كان الشرك الأكبر أعظم ذنب عصي الله تعالى به حرم الله ورسوله الكريم كل قول أو فعل يؤدي إليه أو يكون سببا في وقوع المسلم فيه .
فالرسول الكريم كان حريصا على هداية أمته وسلامتهم من كل ما يكون سببا في هلاكهم ، قال تعالى ( لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ")).
فالرسول حمى جناب لبتوحيد من كل ما يهدمه أو ينقصه حماية محكمة ، ولذلك لما عصى كثير من المسلمين نبيهم
عليه وآله وصحبه وسلم بفعل بعض الأمور التي نهاهم عنها وحذرهم منها، واتبعوا خطوات الشيطان الذي زين لهم الباطل ، ودعاهم إليه حتى طنوا أنهم على الحق مع مخالفتهم الصريحة للنبي الكريم أدى بهم ذلك إلى الوقوع في الشرك الأكبر المخرج من الملة .
أهم الوسائل التي توصل إلى الشرك ، وتوقع المسلم فيه ، والتي حذر منها النبي الكريم ، فمنها :
أولا اللغو في الصالحين
لقد حذر النبي
عليه و آله وصحبه وسلم من الغلو على وجه العموم فقال
عليه وآله وسلم ( إياكم والغلو ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ) .
أما الغلو في الصالحين فقد ثبت أنه كان اول و أعظم سبب أوقع بني آدم في في الشرك ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أصنام قوم نوح أنها صارت في العرب ، ثم قال : أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان غلي قومهم أن أنصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ، فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم : عبدت .
ومن أنواع الغلو المحرم في حق الصالحين والذي يوصل إلي الشرك :
1- : المبالغة في مدحهم ، وقد حذر النبي الكريم من الغلو في مدحه فقال : لا تطروني كما أطرت النصاري المسيح بن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ، وإذا كان هذا في حقه الكريم فغيره من البشر أولى ان لا يزاد في مدحهم .
2- : تصوير الأولياء الصالحين : ولخطر التصوير وعظم جرم فاعله ، وردت نصوص تدل على تحريم التصوير لذوات الارواح ، ومن النصوص قال النبي –صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم - :" إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ". وعن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب :" ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته ."
3-: التبرك الممنوع بالصالحين.
ثانــــــيا : من وسائل الشرك – التبرك الممنوع :
التبرك : أي طلب البركة ، البركة أي كثرة الخير ، والتبرك قسمين :
أ- تبرك مشروع : أن يفعل المسلم العبادات المشروعة طلبا للثواب المترتب عليها ز
ب- تبرك ممنوع : وهو ينقسم من حيث حكمه إلي قسمين :
• تبرك شركي وهو ان يعتقد المتبرك أن المتبرك به يهب البركة بنفسه ، ففي حيث لرسول الله أنه قال :" البركة من الله ".
• تبرك بدعي : وهو التبرك بما لم يرد دليل شرعي علي جواز التبرك به معتقدا ان الله تعالي جعل فيه البركة ، وهذا محرم لأن فيه أحداث عبادة لا دليل عليها في كتاب أو سنة فهو من الشرك الأصغر ولأنه يؤدي إلي الوقوع في الشرك الأكبر .
التبرع البدعي ينقسم إلي ثلاثة أنواع :
النوع الأول : التبرك الممنوع بالأولياء الصالحين : وقد أدلة كثيرة تدل علي مشروعية التبرك بجسد وآثار النبي كشعره ، وعرقه وثيابه وغير ذلك . أما غير النبي من الاولياء الصالحين فلم يرد دليل صحيح يدل علي مشروعية التبرك بأجسادهم ولا آثارهم .
ومن مظاهر التبرك بالصالحين : * التمسح بهم ، ولبس ثيابهم أو الشرب بعد شربهم .
*تقبيل قبورهم ، والتمسح بها . * عبادة الله تعالي عند قبورهم تبركا بها .
النوع الثاني :التبرك بالأزمان والأماكن والأشياء التي لم يرد في الشرع ما يدل علي مشروعية التبرك بها :
ومن امثلة الأشياء : 1- الأماكن التي مر بها النبي الكريم أو تعبد لله فيها لأنه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم كان موجودا في هذه الأماكن وقت تعبده لله تعالي ، فلا يجوز قصد هذه الأماكن للتعبد لله تعالي ، وقد ثبت عن النبي :" لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى ."
2التبرك ببعض الأشجار وبعض الأحجار وبعض الأعمدة ، ليس في دين الإسلام حجر أو غيره ، أما مسح الحجر الأسود وتقبيله وكذلك مسح الركن اليماني في أثناء الطواف فإنما من باب التعبد لله تعالي واتباع سنة النبي الكريم .
3- التبرك ببعض الليالي والأيام التي يقال إنها وقعت فيها أحداث عظيمة .
النوع الثالث : التبرك بالأماكن والاشياء الفاضلة : وردت نصوص تدل على فضل بعض الأماكن كالكعبة المشرفة ، المساجد الثلاثة والتبرك بهذه الاشياء يكون بفعل العبادات ولا يجوز التبرك بها بغير ذلك .
ثالثــــــــــا : رفع القبور وتجصيصها وإٍسراجها ، وبناء الغرف أو المساجد عليها وعبادة الله تعالي عندها :
ما رواه جندب بن عبد الله قال سمعت رسول الله قبل أن يموت بخمس وهو يقول .. " ألا وأن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك .""
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا : " لا تصلوا إلي قبر ولا تصلوا على قبر " ، عن النبي الكريم أنه قال : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا عليَ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ."
في الشرك الأصغر
وهو كل ماكان فيه نوع شرك ، لكنه لم يصل إلى درجة الشرك الأكبر .
وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، بل هو من أكبر الذنوب بعض نواقض التوحيد ، كما أن هذا الشرك قد يعظم حتى يؤول بصاحبه إلى الشرك الأكبر ، فصاحبه على خطر عظيم من أن يؤدي به الوقوع في الشرك الأصغر إلى الخروج من دين الإسلام .
وله أنواع كثيرة منها :
النوع الأول : الشرك الأصغر في العبادات القلبية .
ومن أمثلة هذا النوع :
1- الرياء : وهو أن يظهر الإنسان العمل الصالح للآخرين أو يحسنه عندهم ، أو يظهر عندهم بمظهر مندوب إليه لمدحوه ويعظم في أنفسهم .
2- أن يعمل الإنسان العبادة المحضة ليحصل على محصلة دنيوية مباشرة .
3- الاعتماد على الأسباب والواجب استعمال الأسباب المشروعة التي ثبت نفعها بالشرع أو التجربة الصحيحة .
4- التطير وهو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو غيرهما .
النوع الثاني من أنواع الشرك الأصغر : الشرك في الأفعال :
ومن أمثلة هذا النوع :
1- الرقى الشركية
الرقى الأمور التي يعوذ بها لرفع البلاء أو دفعه ، وينقسم إلى نوعين :
النوع الأول : الرقى الشرعية وهي الأذكار من القرآن الكريم و الأدعية والتعويذات الثابتة في السنة ، أو الأدعية الأخرى المشروعة التي يقرؤها الإنسان على نفسه أو يقرؤها على غيره ؛ ليعيذه الله تعالى من الشرور بانواعها .
وهذه الرقيه جائزه بل مستحبة بشرط أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها ، و أن لا يعتمد عليها المرقي بقلبه ، و أن يعتقد أن النفع إنما هم من الله تعالى و إن هذه الرقية إنما هي سبب من الاسباب المشروعة ، ولا تكون من ساحر أو متهم بالسحر.
النوع الثاني : الرقى المحرمة :
ومنها الرقى الشركية ، وهو الرقى التي يعتمد فيها الراقي أو المرقي على الرقية والدليل على تحريم جميع الرقى الشركية : قوله
عليه و آله وصحبه وسلم (( إن الرقى والتمائم والتولة: شرك ))
2- التمائم الشركية :
التمائم في اللغة وهي في الأصل خرزة كانت تعلق على الأطفال ، يتقون بها العين ونحوها ن وكأن العرب سموها بهذا الاسم لأنهم يريدون أنها من تمام الدواء .
وفي الاصطلاح هي كل كا يعلق على المرضى او الأطفال أو البهائم أو غيرها من تعويذ لدفع البلاء أو رفعه .
اذا اعتقد متخذها أنها تنفع بذاتها دون الله فهو شرك أكبر ، وإن اعتقد أن الله تعالى هو النافع وحده ، ولكن تعلق قلبه بها في دفع الضر فهو شرك أصغر .
النوع الثالث الشرك الاصغر في العبادات القولية ك
ومن أمثلة هذا النوع :
1- الحلف بغير الله
اليمين عبادة من العبادات التي لا تجوز صرفها لغير الله ، فيحرم الحلف بغير الله تعالى ؛ قال الرسول الكريم ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا : فليحلف بالله ، وإلا فليصمت ) .
وهذا من الشرك الاصغر إن كان الحالف إنما أشرك في اللفظ القسم لا غير ن و أما إن كان الحالف قصد بحلفه تعظيم المخلوق الذي حلف به كتعظيم الله تعالى فهذا شرك أكبر والعياذ بالله تعالى .
2- التشريك بين الله تعالى وبين أحد من خلقه بالواو :
العطف بالواو يقتضي مطلق الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولذلك فإنه يحرم العطف بها بين الله وبين أحد من خلقه في إي أمر من الأمور التي يكون المخلوق فيها في وقوعها . كما قال تعالى :(" فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون ") .